أسرعت جائحة فيروس كورونا من عجلة سير الشكل الذي كان يتشكل عليه تحول الرياضات لتكون واحدة من أكثر اللحظات سرعة في تحول هذا المجال حيث يجمع الوضع الراهن ما بين الصدمة الاقتصادية وبين الأزمة الإنسانية العالمية غير المسبوقة. فعلى مسارها الحالي وسرعة وتيرتها، فإن المجال الرياضي قد يدخل في الوقت الراهن عصراً يأتي تحديد معاييره من قبل مجموعة من المنافسات الشرسة، والتغييرات السريعة التي تدعمها التقنية، وأيضاً ريبة المستثمرين، وزيادة الضغوط العامة والحكومية على التمويل.
ومع أننا غير متأكدين من عمق هذه الأزمة ومدتها، إلا أن أبحاثنا تشير إلى أنه في حال لم نجر أي تغير جوهري، فإنها ستصعب المسألة على العديد من الرياضات التقليدية أن تعود لمكانتها الجاذبة التي سادت المشهد طيلة تلك السنين. وتشكل الإجابة على كيفية استمرار الرياضة في خلق قيمة وتوفير عائد اجتماعي على الاستثمار للحكومات وأصحاب المصلحة في حال العودة للحياة الطبيعية أهمية جوهرية.
ولكي يتغير نمط المجال الرياضي الحالي، فإنه يستلزم عليه أن يتعمق بتاريخه المليء بالفخر ويستفيد من تحركاته الجريئة وابتكاراته بطريقة آمنة في ظل أصعب الظروف هذه.
يعُتبر القطاع الرياضي قطاعاً متسماً بالمرونة لأنه يشكل لبنة أساسية لا تتجزأ عن لبنة بناء المجتمع. وحتى أثناء هذا الركود العالمي ما زال الناس يلعبون الرياضة ويشاهدونها ويمارسونها. وفي ظل أغلب السيناريوهات، سيظل سوق الرياضة سوقاً يبلغ قيمته مليارات الدولارات. ونظراً للدور الذي يتقمص المجال في مجتمعنا العالمي، فإن الفشل جزء مهم.
إلا أن هناك رابحون وخاسرون؛ فالرابح هو المستفيد من هذه الأزمة لتصحيح مسار أعماله التجارية وتحول نماذجه التشغيلية. فالشركات الرياضة، وملاك صالات اللياقة البدنية، والرابطات، والأندية التي لا تستفيد من هذه الأزمة، ستحتاج إلى إعادة هيكلتها وإلا بلا شك ستتدهور أعمالها التجارية. الرابح هو من أنتهز هذه الفرصة لإعادة تحديد أسباب تميزه واختلافه في هذا المجال، وكذلك من فكر بطريقة مختلفة وقام بتشغيل أعماله بشكل أفضل.
توضح أبحاثنا وأعمال عملاؤنا أن هنالك ثلاث أسئلة رئيسية يجب على قادة الرياضة الإجابة عنها.
التميز – "لماذا"
في كتاب سيمون سينك الفريد من نوعه "إبداء سؤالك بماذا" أيد سينك أساليب القادة العظماء في إلهام الناس بالمبادرة وذلك من خلال فهم الأسباب الرئيسية خلف تميز الشركة. ما العلاقة التي تربط الرياضة بالمجتمع؟ ما الهدف الرئيسي الذي فعلاً تحاول أن تدعمه هذه العلاقة؟ تُعتبر نقطة الانطلاق بالنسبة لجميع قادة الرياضة وكجزء من عملية تحديد أهدافهم هو فهم مساهماتهم للمجتمع ولأصحاب المصلحة - من خلال تحديد مدى تأثيرهم الاقتصادي، ومساهمتهم لبرامج الصحة، ومدى فائدتهم للمرونة الاجتماعية. وفهم أن الرياضة أيضاً تأتي في المقام الأول. فكيف ستساهم رياضة الكريكيت للبنة بناء المجتمع في إنجلترا، أو أستراليا، أو الهند، وكيف ستساهم رياضة كرة القدم في صحة وعافية الأطفال في أوروبا أو الشرق الأوسط؟ وفي تجربتنا، وجدنا أن أقل من ثلث قادة الرياضة أو الشركات قد عالجوا هذه المسألة بعناية أو بشكل كامل في العقد الماضي، وثلث منهم تشدق بالكلام في خططه الاستراتيجية التي امتدت لخمس أعوام, أما الثلث الآخر فلم يكلف نفسه السؤال ما إذا كانت هنالك حاجة لمعالجة هذه المسألة أم لا.
التفكير – "ما هو"
يتمحور التحدي الذي يواجه اتحاد كرة القدم أو الاتحاد الأوروبي، وكذلك المجلس الإنجليزي الويلزي للكريكت والمجلس الدولي للكريكت حول كيفية التوصل للمساهمة بشكل استثنائي لتحقيق هذا الهدف، وما هو دورهم الفريد واستراتيجيتهم المتميزة. ومرة أخرى، فإن ملاحظتنا مماثلة لسابقتها. لا يوجد سوى عدد قليل من قادة الرياضة يعالجون هذه المسائل معالجة استراتيجية وبطريقة صارمة ولكن إبداعية. ومع أن هنالك تحديات غير مسبوقة هنالك أيضاً فرص غير مسبوقة للتعاون داخل مجال الرياضة وبين الرياضات. وقد تكاتف قادة السباقات البريطانية على قلبٍ واحد لوضع نماذج لآثار جائحة فيروس كورونا المستجد على القطاع بأكمله. تكاتفت خمس هيئات وطنية في المملكة المتحدة لتحديد آثار رياضاتها الجماعية على الأطفال وبدأت بمناقشة السياسات والممارسات الجديدة اللازمة لمعالجة جذور تلك الأسباب المؤدية إلى ارتفاع مستويات القضايا الصحة النفسية والسمنة عند الشباب.
الإجراء – "كيف"
يتعين على القادة أن يبدئوا في عملية التجربة في وقت مبكر، والبحث عن المكاسب السريعة، وأن يستعدوا للفشل والتعلم. عليهم أن يجربوا أفكاراً وممارسات جديدة لتقديمها ودمجها في الرياضة. لا سيما أن الإبداع لا يأتي غالباً إلا مصحوباً بالعمل أولاً. أفضل القادة في المجال الرياضي هم من يتصرفون بطريقتهم الخاصة ويفكرون بطريقة مستحدثة. أفضل القادة هم من يخططون بشكل جيد ولكن ينفذون بشكل أجود. لا سيما أننا وجدنا أن الرابح الحقيقي هو من يتولى زمام الأمور. في كتابه الرائع تحت عنوان "المدير: في عقل قائد كرة القدم"، يصف مايك كارسون فيه الطريقة التي يقود فيها أفضل المدراء الأزمات وفي ظل أحنك الضغوطات. فهم يعملون على تمكين فرق العمل التي تعمل تحت إدارتهم ويحفزون موظفيهم، ويتقمصون السلوكيات المطلوبة، ويتخذون القرارات الصعبة، ويدفعون عجلة التنظيم والرياضة لتسير إلى الأمام.
وقد فرضت جائحة فيروس كورونا تحديات لم يسبق لها مثيل. ولم تكن هناك فرصة أفضل من أي وقت مضى لأن يصبح تركيز القائد فيها تركيزاً جذرياً للتساؤل حول "الوضع الطبيعي" وتغييره تغيراً جوهرياً. فهي إشارة لعصر جديد للرياضة ويوم الحساب لقادة الرياضة؟ والرابح هو الذي يتمتع بالجرأة الكافية ليعيد تصوراته في مجاله الرياضي.