لأن التقنية غيرت طريقة لعبنا، وطريقة مشاهدتنا، بل وحتى الرياضات التي نلعبها، يستوجب على قادة الرياضة أن يتبنوا حركة جديدة لإيجاد فرص جديدة في المجال الرياضي.
بالتأكيد أن التقنية غيرت من شكل الرياضة؛ ففي عام 2019، شهدنا أبطال الدراجات المحترفين يتسابقون صعوداً إلى جبال الألب وهم في أماكنهم، كما أننا رأينا قرارات تحكيمية صادرة من التقنية، وكذلك شهدنا صورة رمزية لرود جوليت تلهم محمد ألكوس للفوز بكأس العالم في ملعب أو2، والذي جعله يحقق 250،000 دولار من القيمة المالية أثناء منافسته.
هذه النماذج لا تظهر لنا إلا القليل فقط، ولكن هذا التحول سيؤثر على طريقة لعبنا للرياضة، وطريقة استهلاكنا لها بل وحتى الرياضة التي نستمتع في لعبها، كما أن ستساهم في تحقيق التحول بطريقة سريعة.
في استطلاعنا الذي أعددناه عن "المديرون التنفيذيون في المجال الرياضي" أشار الاستطلاع أن 72% من المديرين أظهروا أن الحركة الرقمية في المشاركة الرياضية وتنظيماتها كانت من بين أحد أهم الاتجاهات الثلاثة، إلا أنها كانت من أقل الاتجاهات تجهيزاً وإعداداً، حيث يركز هذا المقال على مفهوم التحول بالنسبة للقادة في إطار سعيهم إلى الحفاظ على مكانة رياضتهم وتنميتها في المجتمع، معتمدين في ذلك على الأمثلة الناجحة للإبداع التقني على مستوى الرياضة في الوقت الحاي وعلى المستوى العالمي.
طريقة لعبنا
تغير دائمًا التقنية طريقة لعبنا، وخاصة في مجال الألعاب الاحترافية.
فمع انخفاض تكاليف التقنية وزيادة سهول الوصول إليها، يزداد تأثير التقنية على المشاركة المجتمعية، حيث يمكن أن تحفز التقنية المشاركة الرياضية وتسهلها وتحسنها، ونضع بين أيديكم لمحة عن بعض النماذج التقنية مثل تقنية سترافا، وفيت بيت، وزويفت، وإيسكواش، والتي أضافت بعض العناصر على رياضاتها لجذب المشاركين الجدد.
فتقنية سترافا أنشئت مجتمعًا لركوب الدراجات الهوائية والجري حيث تسجل سنويًا مسافة تصل لـ 7 مليارات ميل من الأنشطة، حيث ينجزها 36 مليون شخص، مما أدى إلى إلهام المشاركة الرياضية والتشجيع على المحافظة عليها [1].
وكذلك استخدمت تقنية فيت بيت التقنية لتسهيل تعقب الأنشطة البدنية ومكافئة المشاركين فيها مع تقديم المتعة لهم، وقد أظهرت الأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية أن مستخدمي تقنية فيت بيت قد زادت من معدل خطواتهم بنسبة 27% من مستويات الخطوط الأساسية [2]. والأرقام التي حققتها تقنية فيت بيت التي تملكها جوجل مؤخراً التي تبلغ 2,1 مليار دولار وضحت القيمة والتأثير الذي تحققه التقنية على النشاط البدني [3].
وقد نجحت تقنية زويفت في جعل ركوب الدراجات الهوائية في المنشآت الداخلية أكثر شعبية من خلال إنشاء منصة تمكن راكبي الدراجات من اختبار أنفسهم على منحدرات جبال الألب، أو على الطرق الساحلية من غير أن مغادرة شققهم في نيويورك أو ضواحيهم في شنغهاي.
وتعُد تقنية أي سكواش نموذجاً من النماذج التي تقدم بها شركات تصنيع ملاعب الإسكواش ألعابها التفاعلية لجعل الرياضة أكثر جاذبية ولجذب الجماهير الأصغر سنًا.
ومن النماذج الأخيرة على تغيير التقنية لطريقة لعبنا اليوم نجد ذلك في استخدام فرق الفورمولا 1 وفِرق الفورمولا إيه لتقنية محاكاة السباق ذات أحدث طراز لتدريب السائقين وأيضاً استخدام ألعاب الفيديو للتعرف على المواهب الجديدة التي لا تحظى بفرصة المنافسة.
وعلى الرغم من أن تقنية سترافا, وفيت بيت، و زويفت من التقنيات الرائجة اليوم، إلا أن الواقع الافتراضي (الفي آر) والواقع المعزز (أيه آر) من التقنيات الناشئة التي ستغير طريقة مشاركتنا في الرياضة بشكل أكبر، ويمكن للاعبي الملاكمة أن يمارسوا الملاكمة في حلبة افتراضية على تقنية فلويد مايوذر للملاكمة والتي يملكها الملاكم الشهير ماي ويذر بالإضافة إلى ممارسة اللياقة البدنية، واستخدام الآلات المساعدة للتدريب على الأداء في التقنية المحسنة كتقنية سترايفري، حيث يستطيع اللاعبين من ممارسة الهجوم عبر تقنية العالم الافتراضي.
فمن هذه النماذج التقنية التي غيرت طريقة لعبنا، تبرز أربعة مواضيع وأسئلة رئيسية:
- إجراءات وضع العناصر التقنية– كيف يمكننا استخدام التقنية لجعلها أكثر جاذبية، أو تنافسية، أو متعة، وتحقق الأهداف المرجوة؟
- تسهيل عملية الوصول– كيف سنسهل تلك الرياضات، وكيف سنفتحها أمام الجماهير، وكيف سنوفر الرياضة باستخدام التقنية؟
- التحفيز – كيف سنستفيد من برنامج الحوافز لجذب مشاركين جدد والحفاظ على بالمشاركين الحاليين؟
- إنشاء المجتمعات – كيف سنستفيد من التقنية لإنشاء مجتمعات تضيف حركة جديدة ومتغيرة في الجانب الرياضي وتجذب اللاعبين الجدد؟
طريقة استهلاكنا للرياضة
المعدل الذي تغير به التقنية طريقة مشاهدتنا واستهلاكنا للرياضة بدأت تتسارع، حيث أصبحت الحركة التقنية في السنوات القليلة الماضية كبيرة جداً دون تغيير نسبي على مدى السنوات العشرين الماضية، وقد تأثرت طريقة مشاهدتنا واستهلكنا للرياضة في جميع جوانبها: الملاعب، والتلفزيون، والبث، وحجز التذاكر، والإعلانات، والرعاية.
وأصبح التأثير الناتج عن ذلك جلياً وواضحاً، حيث أصبح تركيز أصحاب الحقوق، مثل الاتحاد الوطني لكرة السلة، يتمحور وبشكل متزايد على تطوير "محتوى أو تطبيق الهاتف" لإشراك الجماهير والمحافظة عليهم، كما أن الملاعب كملعب توتنهام هوتسبير الجديد يركز استثماره على التقنية، وتقدم الابتكارات على الشاشات، وإشارات الإنترنت واتصال الإنترنت وكل ذلك لإضفاء التجربة الشخصية على تجربة الملعب وتحسينه.
فنحن ننظر إلى ثلاثة أنواع من المستهلكين ونسلط الضوء على بعض المجالات التي ينبغي للرياضة أن تأخذها بعين الاعتبار في استراتيجيتها وأهدافها.
1. تقنية المحاكاة داخل الملاعب
الملاعب– كيف ستخلق التقنية تجارب تطبيقات لعب كرة القدم بحيث تضمن استمرارية تجربة اللعبة والمباراة والمحافظة عليها في سوق تنافسي متزايد؟ – على سبيل المثال، إنترنت الأشياء، وتطبيقات لعب كرة القدم، والإحصائيات المباشرة
التذاكر – كيف سيؤثر موقع بلاكتشين والتقنيات الأخرى على المجال؟
2. المشاهدة من المنزل
المنصة التقنية للبث المباشر - ما هي الفوائد الاستراتيجية التي ستقدمها منصة تقنية البث المباشر للرياضة، وخدمات البث الرقمي، وخدمات الاشتراكات؟ وإذا كانت تقنية البث المباشر تقنية جاذبة فهل ينبغي بث ذلك عن طريق مزود متخصص في تقنية البث المباشر أم هل يجب تطوير منصة متخصصة؟
تقنية الواقع الافتراضي/الفي آر وتقنية الواقع المعزز/آيه آر – كيف ستتغير تجربة المشاهدة في المنزل؟ (على سبيل المثال، الإعلانات المخصصة)
الأجهزة المحمولة – كيف ستعزز توجهات عرض الشاشة الثانية (المشاهدة من الهاتف/الحاسوب) من تجربة الجمهور أثناء مشاهدة التغطية الرياضية؟
3. الجمهور
الرعاية – كيف سيستفيد أصحاب الحقوق والجهات الراعية من التقنية لتحقيق قيمة أكبر؟
التسويق الرقمي – كيف سيتحول مسار الاستراتيجيات التجارية نحو استخدام القنوات الرقمية؟ ما القنوات الجديدة التي يجب الاستفادة منها لزيادة نسبة تعرض الجماهير؟
التجارة الإلكترونية – كيف ستتكيف الرياضة مع الوجه المتغير للبيع بالتجزئة؟
الرياضات التي نلعبها
شهدت الرياضات الإلكترونية زيادة ملحوظة على مدى العقد الماضي، حيث يُتوقع تجاوز عائدات الرياضات الإلكترونية العالمية مليار دولار هذا العام، كما أن أموال جوائزها المحصودة من البطولات وأرقام مشاهداتها قد قاربت وأيضاً أطاحت بأرقام أكبر الرياضات التقليدية [4].
ومع ذلك، لن تكون الرياضات الإلكترونية هي الرياضة الجديدة الوحيدة التي سنشهدها في عصر رياضات الجيل القادم؛ فسباق الطائرات بدون طيار تُعتبر من الرياضات الجديدة والتي أحدثت تأثيراً على المشهد الدولي، حيث أعجب في هذه الرياضة أكثر من 57 مليون مشجع في المواسم الثلاثة الأولى من دوري سباق الطائرات بدون طيار.
ومع استمرار تطور التقنية للرياضات الجديدة وتنميتها، ستُبتكر رياضات جديدة إثراً لذلك، وبالتالي، على عالم الرياضات التقليدية التعلم من هذه التجربة، والاستفادة منها قدر المستطاع. وسيخوض مقالنا القادم في محاور هذه السلسلة على وجه التحديد والطرق والمنهجيات في كيفية تعلم الرياضة من نجاحات الألعاب، ومدى استفادتها من الرياضات الإلكترونية لتنميتها.
الحركة الرقمية تعادل الفرصة
يمتلئ عصر رياضات الجيل القادم بالفرص لقادة الرياضات وذلك عن طريق الاستفادة من التقنية لتقديم الفوائد المرجوة للعبة المتخصصين بها.
فالتقنية قادرة على زيادة المشاركة في الرياضة والنشاط البدني كونها تساهم في زيادة إمكانية الوصول إلى الرياضة، وتعزز رحلة اللاعب من لاعب هاو إلى لعب نخبة، وتزيد من القيمة التجارية للرياضة، وجذب جماهير جديدة، وغير ذلك.
وقد أدرك العديد من الناس هذه الفرصة، فعلى الصعيد الوطني وعلى صعيد المدن، يبحث صناع السياسة عن رياضات الجيل القادم لتحقيق أهداف وطنية تشمل النمو الاقتصادي، والفخر الوطني، والمجتمعات الشاملة، والاعتراف الدولي. على سبيل المثال، استثمرت دولة شيلي أكثر من مليون دولار لمعالجة البدانة في مرحلة الطفولة من خلال وضع عناصر وألعاب يمكنها تعقب خطوات مشي الأطفال والتي تُقدم من المدارس [5]. واستثمرت الصين استثمارات كبيرة في بنيتها التحتية لدعم الألعاب والرياضات الإلكترونية، بما في ذلك ميناء الهانغتشو الإلكتروني، وهو عبارة عن مشروع بقيمة 2،2 مليار دولار ويقدم رأس مال للرياضات الإلكترونية في العالم أجمع [6]. وخصصت الحكومة الماليزية 2.4 مليون دولار للرياضة الإلكترونية ورياضات الجيل القادم في ميزانيتها لعام 2019، كمحرك داعم لفرص العمل في المستقبل [7]. وعلاوة على ذلك، فقد دعمنا مدينة نيوم، وهي مدينة جديدة، لكي تصبح موطناً للرياضات المستقبلية، بما يتفق مع رؤيتها باعتبارها مدينة المستقبل.
كما بدأ قادة اتحادات الرياضة أيضاً في أخذ رياضات الجيل القادم في الاعتبار. ومؤخراً، بدأ منظمو بطولة كأس العالم لكرة القدم للرجبي ومجلس الكريكيت في إنجلترا وويلز بأخذ الألعاب والرياضات الإلكترونية في الاعتبار لتعزيز شراء منتجاتهم، كما أطلقت رابطة الدوري الإسباني منصة بث عبر الإنترنت، وتبنت كل من الاتحاد الدولي للدراجات والاتحاد البريطاني ركوب للدراجات تقنية زويفت للدراجات الإلكترونية في ملفاتهم الاستثمارية.
وستستهدف المنظمات الرياضية أهداف مختلفة وأساليب مختلفة، إلا أنه ينبغي عليهم السعي خلف تبني التقنية اللازمة لإثبات ألعابهم في المستقبل.
وسنعالج العديد من التساؤلات التي أثيرت في هذا المقال في "منتدى المديرين التنفيذيين في الرياضة" المقام في يناير2020، حيث سيبدي كل من قادة الرياضة، وخبراء التقنية، ومبتكري الرياضات الإلكترونية رأيهم حول هذه المسائل.
وستتناول مقالتنا القادمة في هذه السلسلة كيفية دخول ألعاب الفيديو، وتنافسيتها، والرياضات الإلكترونية لعالم الرياضة، وكيفية تقارب العالمين، والفرص التي يقدمانها إلى قادة الرياضة.
[1] إحصاءات تقنية سترافا السنوية - www.bicycling.com
[2] تقرير سوشماس أيه، إيت أل (2016) حول موثوقية وصلاحية تقنية فيت بيت لتتبع عدد الخطوات، وتقرير معدل النشاط البدني المعتدل إلى الحاد ونفقات مبادرة طاقة النشاط. مجلة بلوس ون 11(9): e0161224.
[3] فوربس: مشتريات شركة جوجل على تقنية فيت بيت بمبالغ نقدية تبلغ قيمتها 2. 1 مليار دولار أميركي
[4] تقرير سوق الرياضات الإلكترونية العالمية نيوزو لعام 2019
[5] ميديم. كوم (2018) إعلان دولة شيلي عن خطة توصيل علم الحاسوب إلى كل طالب. https://medium.com/@codeorg/chile-announces-plan-to-bring-computer-science-to-every-student-903a97cb03b0
[6] إس كامب. كوم (2017) قطاع الاستثمار الصيني الرياضي. https://www.scmp.com/business/article/2017193/investment-flooding-chinas-sports-sector
[7] ستار. كوم (2018) مبادرة الرياضات الإلكترونية توحد الماليزيين: الوزير صديق، 26 عاماً، يدافع عن الألعاب الإلكترونية، ومن المرجح أن يصبح أول مسؤول رفيع مستوى يعجب بالألعاب الإلكترونية. https://www.thestar.com.my/news/regional/2018/11/18/esports-can-unite-malaysians-minister-saddiq-26-defends-gaming-and-likely-becomes-first-top-official