يوجد حاليًا عدم مساواة من ناحية المشاركة الرياضية التي تُحدد حسب الجنس، حيث تزداد نسبة نشاط الرجال مقارنة بالنساء (1). ويمكن أن يؤدي هذا التفاوت إلى اختلافات في كل من النتائج الصحية القصيرة والطويلة المدى، وهذا يخلق فجوة اجتماعية صحية وصفتها هيئة الصحة العامة في إنجلترا على أنها نتيجة لعدم التكافؤ بين الجنسين (2). ويمكننا من خلال فهم العوامل الأساسية المعقدة التي تعيق النشاط البدني للإناث تصميم بعض الإجراءات المناسبة. لنتمكن من تحقيق تكافؤ الفرص وتحقيق الفوائد الصحية والاجتماعية في المجتمع.
الفجوة في المشاركة الرياضية بين الجنسين
ينشط في إنجلترا حوالي نسبة 20٪ من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 16 عامًا لمدة 60 دقيقة يوميًا مقارنة بنسبة 14٪ فقط من الإناث. وتستمر هذه الفجوة بين الجنسين طوال فترة البلوغ، مع متوسط 5٪ من الرجال أكثر من النساء الذين يصلون إلى 150 دقيقة من النشاط البدني، وهي المدة التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية في الأسبوع (1).
ولقد أثبتت مبادرتنا المستمرة للمواطنين النشطين في جميع أنحاء العالم مجموعة من النتائج الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تنتج عن ممارسة النشاط البدني للشخص البالغ، كما ناقشنا سابقًا أهمية تكوين العادات لدى الأطفال والمراهقين، لا سيما فيما يتعلق بتأسيس عادات تستمر مدى الحياة. وهناك آثار أخرى طويلة المدى في مرحلة البلوغ بالإضافة إلى الآثار قصير المدى لانخفاض مشاركة الفتيات مثل الثقة بالنفس أو التحصيل العلمي في المدرسة إذا لم نقلل من عدم المساواة بدءًا من السن المبكرة. لذلك، هناك حاجة ملحة لتركيز جهودنا على زيادة المشاركة لكلٍ من النساء والفتيات إذا أردنا تحقيق أقصى فائدة ممكنة في المجتمع.
تعزيز الألعاب الرياضية
حددت الأبحاث التي أجريت كجزء من عملنا وأبحاثنا المتعلقة بالمرأة في مجال الرياضة دوافع مختلفة وراء عدم المساواة في المشاركة الرياضية وذلك بدءًا من دراسة الإنسان إلى الهيكلة العامة. وبدلاً من اتباعنا للنهج الذي شعاره "مقياس واحد يناسب الجميع"، فإن الطريقة الأكثر فاعلية للتقليل من الفجوة بين الجنسين هي تصميم إجراءات واستراتيجيات مخصصة تركز على معالجة عوامل محددة تعيق من مشاركة الإناث. وحددنا في هذه المقالة بعضًا من هذه العوامل، حيث ألقينا الضوء على بعض الطرق المبتكرة لعلاج هذه المسألة:
1. الاستفادة من التسويق لمعالجة الوصمات الاجتماعية
غالبًا ما يشار إلى الضغوط الاجتماعية المتعلقة بالجسم "المثالي" على أنه عامل من العوامل التي تمنع النساء من الرغبة في ممارسة الرياضة. وهذا بلا شك أحد الأسباب وراء الانخفاض الملحوظ في النشاط البدني للإناث من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، وقد ذكرت واحدة من كل أربع فتيات في سن 11-13 عامًا عن عدم رضائهن عن أجسادهن، حيث ارتفعت النسبة إلى واحدة من كل ثلاثة في سن 14 إلى 16 سنة (3).
وتزيد هذه الضغوط الاجتماعية من هذه الظاهرة وذلك بسبب التوقعات المسبقة عن كيفية أداء الفرد، وهي نظرية تعرف باسم "التقنيات المتعلقة بالذات" (4). مثلاً قد تربط الفتيات الصغيرات النشاط البدني والرياضة بالأداء الذكوري، مما يدفعهن إلى الاعتقاد بأنهن -كإناث- غير قادرات جسديًا على المشاركة. ويمكن أن يستمر هذا الارتباط حتى مرحلة البلوغ، مما يحد من مشاركة الإناث من جميع الأعمار.
وتُستخدم الحملات التسويقية بكثرة من الهيئات الإدارية الوطنية والمنظمات الأخرى لكسر وصمات العار الاجتماعية وتشجيع مشاركة الإناث. وتصدرت سبورت إنجلاند الحملات التسويقية من خلال حملتها "This Girl Can"، والتي أفادت بأنها شهدت زيادة في مستويات النشاط التي بلغت 2.8 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 14 و 40 عامًا في جميع أنحاء البلاد (5). وإن الحجم الهائل للحملة -مع وجود العديد من الإعلانات المصممة للترويج لنشاط النساء من جميع الخلفيات- مكّنها من الوفاء بوعدها بتغيير المعتقدات الخاطئة وبناء الثقة والحرص على عدم ترك أي امرأة مع معتقدات خاطئة متعلقة بالرياضة.
ومنذ ذلك الحين كانت هناك حملات عديدة أخرى تستهدف مشاركة المرأة. ومن الأمثلة على ذلك حملة "Try and Stop Us" التي أطلقتها "وورلد رجبي" في مايو من هذا العام (انظر إلى النموذج1). وتضم 15 امرأة وفتاة ملهمة يتمتعن بصفات طموحة من جميع أنحاء العالم، وأحد أهدافها هو تحطيم المعتقدات الخاطئة مثل الافتقار إلى القوة أو الذكورة للتمكن من لعب رياضة الرجبي.
النموذج 1: حملة "Try and Stop Us"، وورلد رجبي
تعتمد الحملة على العمل الذي قامت به "وورلد رجبي" خلال العامين الماضيين لدعم اليوم العالمي للمرأة 2017 وحملتها #BeBoldForChange. وعمل الاتحاد أيضًا من بين المبادرات الأخرى على "تعزيز القيادة الملهمة"، و"بناء الصورة المؤثرة"، "وكسر الحواجز" (6). وبدأ منذ ذلك الحين عددًا أكبر من الفتيات في ممارسة رياضة الرجبي أكثر من الفتيان في كل عام على مستوى العالم، وهو ما يمثل مساهمة كبيرة في النمو بنسبة 28٪ في عدد اللاعبات المسجلات (7).
2. إعادة الإعمار البيئي لزيادة الأمن والسلامة
تعتبر المنشآت والبنية التحتية التي تشجع على السلوكيات النشطة أقل استيعابًا للنساء والفتيات. مثلا تشعر الإناث في غرف تبديل الملابس المختلطة أو غير المحمية في المدارس ومراكز الترفيه بعدم الراحة أو الخوف، وبالتالي تمنعهن من المشاركة. وغالبًا ما يُنظر إلى البيئات التي ترغب النساء في ممارسة النشاط فيها على أنها غير آمنة. حيث تعرضت وفقًا لاستطلاع أجرته إنجلترا لألعاب القوى (2017) واحدة من كل ثلاث إناث للمضايقة أثناء السير على الطرق، وقالت أكثر من نسبة 60٪ ممن شملهم الاستطلاع إنهم يشعرون بالقلق من الركض بمفردهم (8). ويمكن أن يكون ذلك بسبب عدم وجود ممرات آمنة أو مساحات خضراء أو شوارع مضاءة بطريقة جيدة. لذا من المهم التركيز على دور البيئة المتاحة والتي تُحدد مستويات النشاط البدني للإناث، سواءً من خلال تطوير المنشآت التي تتيح لهن الشعور بالراحة أو تحسين المساحات الخضراء والمناطق الأخرى حتى يشعرن بالأمان.
ومن الأمثلة على التصميم النشط هي حديقة "بيسوس ريفر بارك" التي تقع في منطقة نائية اجتماعيًا واقتصاديًا في برشلونة. قُيم تأثير إعادة تطويرها مؤخرًا من خلال دراسة "آي إس قلوبال" (9)، والتي أظهرت أنه بعد إعادة التصميم الذي تضمن على تحسينات تتراوح بين تطوير مسارات أوسع ووضع كاميرات أمنية زادت نسبة 43٪ من النساء اللاتي يستخدمن المنطقة المحسنة. كما زاد عدد من الأشخاص غير القوقازيين الذين يستخدمون المتنزه من نسبة 3٪ إلى 8٪ من إجمالي المستخدمين، مما يُظهر أن التصميم الجيد يقلل من عدم المساواة بين الجنسين والتفاوتات الديمغرافية في المشاركة الرياضية.
3. الإجراءات والاستراتيجات المصممة للتغلب على الحواجز الثقافية
على الرغم من أن فجوة المشاركة بين الجنسين موجودة في جميع التركيبة السكانية في إنجلترا، إلا أن هناك عدم توازن بين بعض الأعراق (انظر إلى النموذج 2).
النموذج 2: الفرق بين النسبة المئوية للإناث غير النشطات والنسبة المئوية للذكور غير النشطين حسب العرق. استطلاع الحياة النشطة 2017/18
هناك العديد من الدوافع المحتملة وراء عدم التوازن المذكور. وصفت أليس ديرينج - السباح الوحيد ذو البشرة السوداء في فريق "جي بي" مؤخرًا كيف أن الضرر الذي يلحق "بالشعر ذو الطبيعة الأفريقية" قد يكون عاملاً مساهماً في انخفاض مستويات المشاركة في السباحة بين النساء ذوات البشرة السوداء والفتيات الصغيرات (10). وقد يكون هناك حاجز ثقافي آخر يتعلق بدور الإناث في المجتمع. ووجد عملنا في السياسة في موريشيوس مثلاً أن الأهمية الثقافية التي توضع على الدور الأمومي في المنزل كانت أحد الدوافع الرئيسية وراء انخفاض مشاركة الإناث.
وحددت أعمالنا في مجال المشاركات العالمية خيارات مختلفة للتغلب على هذه الحواجز الثقافية. دعمنا مثلاً في المملكة العربية السعودية مبادرات تتراوح بين تغيير السياسات، مثل إدراج التربية البدنية للفتيات في المناهج المدرسية وترخيص الصالات الرياضية النسائية لتشجيع القوى العاملة الرياضية النسائية وإعادة تطوير المنشآت لجعلها أكثر سهولة للإناث. ولقد وفرت هذه المبادرات فرصًا للنساء والفتيات لينشطن في بيئة يشعرن فيها بالأمان وعدم الحكم عليهن. وأظهر أحدث استطلاع وطني للمشاركة الرياضية (11) أن المشاركة الأسبوعية للإناث البالغات قد ارتفع من نسبة 8٪ في عام 2015 إلى نسبة 22٪ في عام 2018، وهي زيادة كبيرة بسبب الأعمال المنجزة لمعالجة الحواجز الثقافية في المملكة العربية السعودية.
سد الفجوة
توفر زيادة المشاركة بين الفتيات فرصة لتحقيق فوائد اقتصادية وصحية واجتماعية كبيرة. على سبيل المثال، قد يعني سد الفجوة بين الجنسين في لندن لمن هم في سن 16 عامًا وجود 160 ألف أنثى نشطة بدنيًا، مما يساهم بدوره في توفير ما يصل إلى ما يقارب 4.8 مليون جنيه إسترليني في توفير الرعاية الصحية للاقتصاد كل عام (12).
ويتطلب تحقيق هذا التأثير الكبير برامج هادفة تتصدى للحواجز الأساسية التي تعيق مشاركة المرأة لنتمكن من تحقيق المساواة والمنافع المتساوية للجميع.
الكٌتاب: جاك باربر وكلوي ثورنتون
المصادر:
- استطلاعات سبورت إنجلاند للحياة النشطة 2017/18 (للأطفال والمراهقين والراشدين)
- الصحة العامة في إنجلترا، يونيو 2019: https://publichealthmatters.blog.gov.uk/2018/01/16/a-guide-to-our-new-health-equity-collections-page/
- صندوق الشباب الرياضي: النتائج الرئيسية من استطلاع نشاط الإناث 2014. 2017
- فوكو إم "التقنيات المتعلقة بالذات": لقاء مع ميشيل فوكو. صحيفة جامعة ماساتشوستس، 1988
- التلغراف. [عبر الإنترنت] تموز (يوليو) 2016. https://www.telegraph.co.uk/women/life/this-girl-can-28-million-women-inspired-to-exercise-by-ads-that/
- وورلد رجبي 2017: https://www.rwcwomens.com/news/229213?lang=en
- وورلد رجبي: https://www.world.rugby/news/422288?lang=en
- استطلاع رؤى إنجلترا لألعاب القوى، 2017
- آي إس جلوبال: https://www.isglobal.org/en/healthisglobal/-/custom-blog-portlet/como-la-regeneracion-de-areas-naturales-en-entornos-urbanos-puede-mejorar-nuestra-salud/ 6008023/0
- بي بي سي: https://www.bbc.co.uk/news/newsbeat-49247624
- استطلاع "جي إس إي" الوطني للمشاركة الرياضية 2015، 2018
- المواطنون النشطون في جميع أنحاء العالم, 2018