تعاني معظم الرياضات التقليدية الكبرى من انخفاض أعداد المشاركين على مستوى العالم، ويعتبر هذا صحيحًا خصوصًا في حالة الرياضات الجماعية. انخفضت على سبيل المثال المشاركة في كرة القدم الأمريكية في الولايات المتحدة ما بين مليون إلى 5.2 مليون مشارك بين عامي 2015 و 2017. وأظهر استطلاع "آكتف لايفز" في المملكة المتحدة انخفاضًا في عدد المشاركين في الرياضات الجماعية بمقدار 400 ألف مشارك في العامين الماضيين، وكذلك لا توجد رياضة جماعية ضمن قائمة أفضل 10 أنشطة بدنية للرجال أو النساء في أستراليا ونيوزيلندا.
ولكن يحاول عملاؤنا على مستوى العالم فهم كيف يمكنهم تغيير هذه الاتجاهات: مثل المحافظة على اللاعبين والنشيطين بدنيًا المنتظمين وجذب المشاركين الجدد. كما طُلب منا إلقاء نظرة على الرياضات "الجديدة" والرياضات "الحديثة" والرياضات التي تروق "للشباب" وغيرها للعثور على الحل الذهبي الذي سوف يجعل الرياضات التقليدية أكثر جاذبية وحداثة.
وعلى الرغم من أنها ليست رياضة "جديدة"، إلا أن نمو ملاعب التزلج على الألواح والتزلج عمومًا يمكن أن يقدم خبرات ودروس مثيرة للاهتمام، وذلك لكونها رياضة هامشية ومحفوفة بالمخاطر نسبيًا، ولكن شعبيتها نمت إلى حد أن أصبحت رياضة متخصصة وحاصل على الميداليات في أولمبياد طوكيو في عام 2020. وتتيح التكاليف المنخفضة نسبيًا لعملية شراء ألواح التزلج للمشاركين غير الرسميين ممارسة الرياضة، لأنه يمكن استخدام لوح التزلج في الشوارع والأرصفة والأماكن العامة. ويمكن بناء ملاعب للتزلج في المناطق المفتوحة عن طريق استخدام الهياكل المؤقتة. وإن العديد من ملاعب التزلج عالية الجودة لا تفرض رسوم دخول أو تفرض رسوم بسيطة جدًا وبدون متطلبات اشتراك، مما يتيح وصول جميع شرائح المجتمع. كما تجذب المساحات المفتوحة أيضًا جمهورًا كبيرًا يستمتع بها المتفرجون كرياضة. ولأن ملاعب التزلج تشمل على خيارات إضافية مثل المقاهي وأحواض السباحة، فهذا يعني أنه يمكن الاستمتاع بها مع العائلة أيضًا. بالإضافة إلا أنها من الرياضات ذات نشاط عالي للقلب والأوعية الدموية ولها فوائد صحية كبيرة تجذب مجموعة واسعة من المشاركين. فقد استفاد المشغلون التجاريون بسبب الجاذبية الاجتماعية لرياضة التزلج على الألواح مثل "اكس قيمز" بدءًا من السلطات البلدية من المجالس المدنية في المملكة المتحدة إلى المدن العالمية الكبرى مثل نيويورك وتورنتو، حيث تستكمل الاستراتيجية المنفصلة للتزلج على الألواح والتزلج العادي الخطط الرئيسية لملاعب المدينة واستراتيجية مشاركة الأطفال والمراهقين.
ولكن لا يزال -مع ذلك- هناك الكثير لنتعلمه من الرياضات التقليدية. ويمكننا القول أنه لا توجد رياضة في العالم لديها تقاليد وتاريخ أكثر من لعبة الكريكيت! وأثار هذا البيان الكثير من الجدل في مكاتبنا، وكما قال أحد زملائنا: "إذا استطعنا استخلاص الدروس والخبرات المستفادة من رياضة الكريكيت، فإننا سوف نكون قادرين على تأليف كتاب عن أفضل الممارسات". ويعجب بهذه الرياضة ما يقرب من 30٪ من سكان العالم، ولكن مع ذلك يتم تجاهلها تمامًا أو إساءة فهمها من قِبل 70٪ آخرين. ويعتبر زميلنا في الفئة الأخيرة. وينظر الكثيرون إلى لعبة الكريكيت في الغرب على أنها لعبة ريفية إنجليزية في الأصل: حيث يتم تناول الشاي والشطائر على مدار ساعات طويلة بينما لا شيء يحدث، وينظر إليها أنها مجرد لعبة ثقافية لا أكثر، ولكنها في الواقع لعبة تنافسية للغاية بثلاثة تنسيقات معترف بها دوليًا، وتم إضافة الرابعة مؤخرًا، والخامسة قيد العمل. كما أنها تنمو تجاريًا بقوة مع نمو دخل المجلس الدولي للكريكيت من الحقوق بنسبة 50٪ تقريبًا إلى 2.5 مليار دولار أمريكي في دورته الحالية، وظهور دوريات وتنسيقات جديدة تجذب جمهور أوسع. كما يمكن أن يلعبها أي شخص في أي مكان تقريبًا. حيث يلعبها الملايين في شبه القارة الهندية في المناطق المدنية بأي شكل من أشكال المضارب والكرات وفي أي زاوية من الشارع. وسوف يشاهد في كأس العالم هذا الصيف حوالي مليار شخص مباراة واحدة فقط بين الهند وباكستان.
إذن، ما هي السمات المشتركة؟ ولماذا اللاعبون متحمسون للغاية بشأن اللعبة؟ وماذا يمكن التعلم من لعبة الكريكيت والرياضات الأخرى؟
ويل جلينرايت -رئيس قسم التنمية العالمية للمحكمة الجنائية الدولية- ومقرها دبي، كما سوف يكون "ويل" وفريقه مسؤولين عن تطوير اللعبة في 90 دولة خارج الدول التجريبية الرئيسية. كان ويل بالصدفة يشاهد لعبة كريكيت في "موقف السيارات" في دبي، حيث يجتمع فريقان من الأصدقاء كل أسبوع ويلعبون في موقف للسيارات، حيث جهزوا "الملعب" في ثوانٍ ولعبوا لعبة تنافسية للغاية بصوت عالٍ وبشكل ممتع. سأل "ويل" لماذا هؤلاء الأشخاص يفعلون ذلك؟ ولماذا يستمتعون بها كثيرًا؟ والجواب الذي قدموه هو: "كل شيء يتعلق بالبرياني".
على الرغم من أن البرياني لا يُنصح به كغذاء لنخبة اللاعبين، حيث انتقد "وسيم أكرم" -الذي يعتبر بأنه أفضل لاعب كريكيت- النظام الغذائي للمنتخب الباكستاني في الفترة التي تسبق كأس العالم بقوله "لا يزال لاعبونا يتناولون البرياني، ولا يمكنك التنافس ضد الأبطال الذين يتم إطعامهم البرياني"، ولا يمكن بالتأكيد أن يكون أقل أهمية بالنسبة للاعبي الكريكيت في مواقف السيارات.
ومن خلال النظر إلى الرياضات الأخرى، فإن بحثنا "كل شيء عن البرياني" يحتوي على 4 مكونات رئيسية:
- القبيلة - تدور اللعبة في الأساس حول اجتماع الناس - وتربطهم معًا كقبيلة. ولا بأس داخل القبيلة بالمزاح، والتجادل، والمنافسة الشديدة. والقبيلة هي عبارة عن مجموعة اجتماعية، قد يكون من الصعب الدخول إليها، ولكن أظهرت الأبحاث أن كونك جزءًا من مجموعة ما لا يوفر فقط شبكة اجتماعية موثوقة ولكن له أيضًا فوائد صحية جسدية وعقلية كبيرة (يُعرف أيضًا باسم تأثير "روزيتو"، استنادًا إلى قبيلة روزيتو التي تقع في ولاية بنسلفانيا، الولايات المتحدة الأمريكية).
- الاستعدادات - وضع الخطط - يبدأ الأسبوع بالكثير من المزاح في محادثات مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي. كما تتشكل الفرق، وتتجدد المنافسات، ويتم الإشادة بأمجاد الماضي وإخفاقاته، مثل: أين ومتى يتم اللقاء، ومن سوف يحضر المجموعة المطلوبة المحدودة، ومن سوف يوفر الطعام بعد ذلك. ولكن ما يحدث بعد ذلك ليس له صلة!
- اللعبة - من السهل تنظيم ولعبها - و الحضور وأجواء المرح - ويحدث كل ذلك في طبيعة جيدة حيث يفوز شخص ما ويخسر شخص آخر.
- ما بعد اللعبة - إنها عذر للقاء والتحدث عن الأسرة والسياسة والرياضة بشكل عام وأحيانًا لحضور لعبة الكريكيت بشكل خاص. وبالطبع يبدأ التحدث عن التجمع الاجتماعي الأسبوع المقبل حول لعبة الكريكيت والبرياني.
عندما قارنا قصة "ويل"، أدركنا أن هذه التجربة تحدث بشكل أساسي في جميع الرياضات الجماعية. وفهمنا واعترافنا بأن زيادة المشاركة تتعلق بالسلوك البشري، وهذا يعني أنه يمكننا استنباط استراتيجيات وبرامج وحملات تتعلق بهذه الدوافع.
ويجب دعم مثل هذه التدخلات لتنمية المشاركة عبر توفير البيانات والأفكار. ويحتاج قادة الرياضة إلى الشروع في برامج بحثية متعددة السنوات لجميع التركيبة السكانية والاستفادة من هذه النتائج لتصميم استراتيجيات مصممة خصيصًا لكل منطقة وديموغرافية. ويقيس استطلاع الحياة النشطة في "سبورت إنجلاند" سنويًا عادات ما يقرب من 180,000 شخص في جميع أنحاء المملكة المتحدة بالإضافة إلى وجود المجموعات المتخصصة المستمرة لبناء هيئة ذكاء تعتمد على البحث الكمي والنوعي. وكذلك تقوم أستراليا ونيوزيلندا بمسح حوالي 25,000 فرد سنويًا.
وتُظهر هذه المسوح الرياضية الوطنية باستمرار أن فرصة الاستمتاع والتواصل الاجتماعي وقضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة والاسترخاء هي أهم الدوافع للناس ليكونوا نشيطين بدنيًا، فضلاً عن التأثير الإيجابي للصحة والرفاهية. وتوجد في بعض الأحيان عوائق واضحة يجب معالجتها: مثل المالية، وتوافر المنشآت والوصول إليها، وشروط اللعب ضمن مجموعة محددة من القواعد.
وفي بعض الأحيان تكون الحواجز أقل وضوحًا. مثلاً أمضت جيني برايس 12 عامًا كرئيسة تنفيذية لشركة سبورت إنجلاند (المنظمة المسؤولة عن قيادة المشاركة في الدولة). وكانت قائدة برنامج "الفتيات يستطعن" (وتسببت بتنشيط حوالي 1.6 مليون امرأة، وفازت بالعديد من الجوائز، مثل مهرجان كان ليونز في عام 2015). تقول جيني "لقد حددنا عائقًا موحدًا: وهو الخوف من الحكم." شعرت العديد من النساء أن شكل أجسادهن خاطئ أو أنهن غير ماهرات بدرجة كافية أو شعرن بالذنب لقضاء الوقت مع أنفسهن بدلاً من قضاء الوقت مع أسرهن. لذلك شرعنا في إنشاء حملة عالجت هذه الحواجز العاطفية، بدلاً من معالجة الحواجز العملية البحتة مثل الوقت والتكلفة.
تحتاج برامج البحث المماثلة إلى اعتماد نهج تصميم محوره الإنسان ويركز على تجربة المستخدم، وفهم ما يدفعه نحو الرياضة أو ما يبعده عنها، وفهم ما إذا كانت هناك مجموعة من الدوافع المشتركة للمشاركة في الرياضة.
يجب أن يكون نهج المشاركة في الرياضة شاملاً، كما يجب أن يجمع الناس معًا ويعزز التماسك الاجتماعي. ويجب أن تكون المرافق متعددة الاستخدامات مما يسمح بالاستخدام متعدد الأغراض وزيادة الاستفادة من المساحات المفتوحة والهياكل المؤقتة عند الحاجة لذلك. وتعتبر البرامج المستمرة التي تساعد على جعل الرياضة أكثر شعبية، وجذب التركيبة السكانية المختلفة وتحفيز المشاركة المستدامة أمورًا أساسية. كما يجب أن تكون الرياضة أيضًا قادرة على إبراز تأثيرها الإيجابي على الصحة البدنية والعقلية بشكل عام.
وتحتاج الهيئات الحاكمة والسلطات الرياضية أثناء عملها على تمكين نمو الرياضة إلى معرفة متى يجب ترك الناس تستمتع بالرياضة بطريقة مجانية وبدون عوائق. وهذا يعيدنا بالتأكيد لهدف قصة "البرياني"، حيث يجب وضع البرامج ليس فقط لأصحاب القدرات، ولكن أيضًا للبيئة الاجتماعية التي تتجاوز اللعبة نفسها. إن القدرة على العمل مع المجموعة الصحيحة من الشركاء المحليين هي أيضًا مفتاح لتحقيق التوازن الصحيح. والمثال على ذلك هو برنامج التوعية النسائية الجنوب آسيوي التابع لننادي "ليسترشير" للكريكيت الذي يجمع بين الكريكيت ودروس الرقص في بوليوود.
ولا ينبغي أثناء إعطاء الأولوية للمشاركة فقدان العنصر التنافسي، بل يمكن أن يدفع النمو في البيئة المناسبة. لقد فشلت العديد من الحكومات ووزارات التعليم في فهم ذلك بسبب عدم إعطاء الأولوية للعنصر التنافسي في رياضة الشباب.
وأخيرًا، إن الجيل الجديد من الرياضة، مثل "مفهوم التلعيب" باستخدام الألعاب الرقمية والإلكترونية هو سائدٌ اليوم، سواءً في البطولات الخيالية أو البطولات الخاصة أو تطبيقات اللياقة البدنية أو استوديوهات الصالات الرياضية، حيث يشجع الناس على التنافس مع الزملاء أو العائلة أو الأصدقاء. وهذا يدفع إلى خلق أجواء مرحة ومحادثات من دورها أن تشجع على المزيد من المشاركة. ويجب أن يتبنى قادة الرياضة هذا المفهوم بدلاً من الخوف منه.
لذا لا تتعلق زيادة المشاركة فقط بالرياضة، لأنه بالنسبة لمعظم الرياضات الجماعية "كل شيء يتعلق بالبرياني".
(*ملاحظة: يمكن استبدالها بكلمة "جمبري في حفلة شواء" أو "نزهة في الحديقة" وغيرها.)