هناك انخفاض كبير في مستوى النشاط البدني مع انتقال الأفراد من مرحلة الطفولة والمراهقة إلى مرحلة البلوغ. مثلاً في إنجلترا وصل هذا الانخفاض إلى 60٪ خلال هذه الفترة [1]. ونحتاج لتغيير المستويات المجتمعية للنشاط البدني إلى تغيير الطريقة التي نشكل بها عادات النشاط البدني الدائمة للأطفال والمراهقين.
وتوضح هذه المقالة الأنشطة أو "الإجراءات" الحاسمة التي يجب استخدامها في مراحل مختلفة من نمو الأطفال والمراهقين من أجل تطوير عادات نشاط مستدامة وطويلة المدى. وسوف يؤدي هذا إلى فوائد صحية واجتماعية واقتصادية تتضاعف على مدى الحياة وعبر الأجيال (انظر إلى النموذج 1)، وقد يؤدي إلى إطالة العمر بما يصل إلى خمس سنوات [2].
النموذج 1: فوائد النشاط البدني على مدار الحياة (الحقوق: معهد آسبن)
الطريق إلى النشاط البدني على مدار الحياة
تعتبر المراحل الثلاث الأولى من الحياة حاسمة لبناء العادات (الشكل 2). ويمكننا من خلال تصميم الإجراءات الخاصة بكل مرحلة من مراحل نمو الطفل أن نضمن أن أطفال ومراهقين اليوم يسيرون على مسار النشاط البدني مدى الحياة.
النموذج 2: الخطوات الثلاث الأولى من حياة الشاب والإجراءات الحاسمة اللازمة لتأسيس النشاط على مدى الحياة
الخطوة 1: الرضع والأطفال الصغار (من 0 إلى 5 سنوات)
يجب بالنسبة للرضع والأطفال الصغار اعتبار النشاط جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية العادية، ومن المهم أيضًا الاستفادة من فرصة تطوير المهارات الحركية الأساسية.
وتعتبر التجارب المبكرة أساسية لتكوين العادات، وقد أعلنت على سبيل المثال منظمة الرياضة الأسترالية مؤخرًا عن تطوير أول إستراتيجية لأنشطة الطفولة المبكرة "لتحسين جودة وكمية النشاط البدني للأطفال دون سن الخامسة". وأظهرت دراسة أكاديمية حديثة أيضًا أن عادات النشاط البدني يتم بناؤها إلى حد كبير في سن 11-12 عامًا، ويتطلب التأثير على هذه الأنماط التدخل قبل أن يبلغ الأطفال سن 5 سنوات [3].
ولمعالجة هذا الأمر، يجب علينا التالي:
- استهداف الآباء لجعل النشاط البدني جزءًا من الحياة اليومية لأطفالهم، حيث أن الأطفال يتأثرون بشدة بوالديهم. وتزداد احتمالية أن يكون الأطفال النشيطين لديهم أمهات نشيطات [2]، في حين أن الأطفال الذين لديهم آباء يعانون من السمنة تزداد احتمالية إصابتهم بالسمنة بثلاث مرات مقارنة بالأطفال ذوي الوزن الصحي [4]، وشارك 70٪ من الأطفال الذين يلعب أحد والديهم على الأقل الرياضة نفسها [5]. ولكن لم يتم عمل ما يلزم بالشكل الكافي للاستفادة من تأثير الوالدين. لذلك يجب أن تكون البرامج والمنشآت سهلة للأسرة لتسهيل مشاركة الوالدين والطفل. ويجب أن تنقل الحملات الموجهة إلى الآباء أهمية النشاط البدني لأطفالهم الصغار وأن تعالج أي مفاهيم خاطئة حول هذه الفئة العمرية مثل كونها أصغر من أن تمارس الرياضة. ويجب أيضًا أن تستهدف الحملات الأمهات الحوامل والأمهات الجديدات لمعالجة الانخفاض الملحوظ أثناء الحمل وبعده، مع مشاركة الأمهات الرياضات - مثل سيرينا ويليامز أو أليسيا مونتانيو - لإثبات أنه النتائج يمكن تحقيقها.
- وكذلك تصميم الإجراءات الخاصة بالعمر المحدد لتطوير المهارات الحركية الأساسية، كما يجب أن تعمل البرامج على تطوير المهارات الحركية الأساسية عند الأطفال الصغار. وأفضل مثال على ذلك هي "بلاي بول" التي تستهدف برامجها الفئات العمرية الصغيرة بناءً على احتياجاتهم المعرفية والاجتماعية والحركية المحددة. حيث يبدأ التركيز على بناء الأسس الأساسية للحركة وينتقل إلى العمل الجماعي والمهارات الأكثر تعقيدًا وذلك اعتمادًا على الفئة العمرية. وهذا يتيح للأطفال الصغار التطور والاكتفاء بالحركات الأساسية اللازمة للنشاط البدني في المستقبل.
الخطوة 2: الأطفال (من عمر 12-5)
من المهم بالنسبة للأطفال خلق سلوكيات إيجابية ومحو الأمية الجسدية لإعدادهم للنجاح في الأنشطة المستقبلية.
ويعتبر الموقف الإيجابي تجاه الرياضة والنشاط البدني أساسًا لعادات النشاط مدى الحياة، حيث يقرر معظم الأطفال ما إذا كانوا مهتمين بالرياضة ما بين سن 5 و 12 عامًا. لذلك من الضروري تحديد الدافع الذاتي والقدرة على المشاركة خلال هذه الفترة.
ولمعالجة هذا الأمر، يجب علينا التالي:
- تطوير الموقف الإيجابي للتركيز على المتعة وليس المنافسة فقط، لأن المتعة هي المحرك الأكبر لمستويات النشاط لدى الأطفال [6]. ويجب أن يكون هذا هو أساس تصميم البرنامج. على سبيل المثال ، نفذت "نت بول نيوزلندا" سياسة تضمن للاعبين الصغار تناوب المراكز ولعب ما لا يقل عن نصف لعبة. وهذا يمنح الجميع فرصة الاستمتاع باللعبة، كما ساهمت في أن تصبح لعبة "كرة السلة" الرياضة الأكثر شعبية للنساء في نيوزيلندا [7]. ويمكن أيضًا إدراج هذا الأمر في السياسة الوطنية.مثلاً يُحظر في النرويج على الأندية نشر نتائج المباريات أو تصنيفات السباق حتى سن 13 عامًا. ويركز هذا المدربين والمتطوعين على التطور الشخصي لكل طفل بدلاً من العنصر التنافسي للرياضة، والذي يمكن أن يؤخر من تطور الأطفال.
- إن ترسيخ الثقافة البدنية هي "الدافع والثقة والكفاءة البدنية والمعرفة والفهم العميق للقيمة، وكذلك تحمل مسؤولية المشاركة في الأنشطة البدنية مدى الحياة" [8]. وإن تحقيق هذا أمر بالغ الأهمية، حيث يقوم الأطفال المثقفون بدنيًا بنشاط مضاعف عن الأطفال الآخرين [6]. وتحقيق هذا الأمر يتطلب بتزويد الأطفال بالكفاءة والثقة لممارسة الرياضة. ومع ذلك، لا يتم تزويد الكثيرين بتوجيهات واضحة حول مهارات الحركة الأساسية مثل كيفية رمي الكرة أو التقاطها. ومن الأمثلة الإيجابية "نادي The 60 Minute Kids’ وهو برنامج يركز على اكتساب هذه المهارات. وتدعم الطلاب من خلال توفر الأدوات عبر الإنترنت فهم هذه المهارات وتطويرها، ومشاركة عملية التطور مع المعلمين وأولياء الأمور. حيث شارك الآلاف من الطلاب، وأبلغت المدارس عن معدلات المشاركة الأعلى بخمس مرات من البرامج الأخرى [9]
الخطوة 3: فئة الشباب الناضجين (العمر 12-15)
يعد بالنسبة للشباب الناضجين تطوير عادات مرنة أمرًا مهمًا لحماية مستويات النشاط لمواجهة التغييرات في نمط الحياة والأولويات التي تبرز بشكل متزايد.
حيث اختار الشباب الناضجين في هذه المرحلة تفضيلاتهم، ومن المرجح أن يشاركوا ما إذا كان النشاط يناسب أسلوب حياتهم أم لا. ولدى الشباب الناضجين أيضًا أولويات تبرز بشكل متزايد، لذلك من المهم تقليل الحواجز التي يمكن أن تقلل من العادات. ويجب اتخاذ تدابير لتطوير المرونة والحماية من التغييرات المستقبلية في نمط الحياة.
ولمعالجة هذا الأمر، يجب علينا التالي:
- توفير الخيار وتصميم برنامج مخصص، كما يعتبر من المهم تزويد الشباب بمجموعة واسعة من الرياضات داخل المدرسة وخارجها حتى يتمكن كل فرد من العثور على الرياضة المناسبة لهم. مثلاً "المدارس الرياضية" هي مبادرة حكومية أسترالية قامت بتمويل أكثر من 500 مدرسة ثانوية. وتهدف إلى توفير الخيار للطلاب مع أكثر من 30 رياضة تقدم حاليًا البرامج في جميع أنحاء البلاد. ويجب أيضًا تصميم البرامج التي تلبي الاحتياجات المتغيرة للشباب. على سبيل المثال، عندما قسّمت "نيوزلندا سمول بلاكس" برامج الرجبي الخاصة بهم حسب الجنس لأقل من 13 عامًا وما فوق، زادت مشاركتهم بنسبة 9٪.
- أيضًا من المهم توفير الفرص المحلية للأنشطة البدنية، ويعد قرب المنشآت عاملاً حاسمًا لهذه الفئة العمرية. فالأطفال في الولايات المتحدة الذين يعيشون على مسافة ميل واحد من المنتزهات أكثر ميلاً إلى استخدامها بأربعة أضعاف عما لو كانوا يعيشون على مسافة أبعد من ذلك [2]. وإحدى المبادرات التي تعالج هذا الأمر هي مبادرة "Street Games" التي تدير شبكة من المنظمات لاستهداف الشباب المعزولين من خلال "جلب الرياضة قرب منازلهم". وأصبحت البرامج والفعاليات ميسورة التكلفة ويمكن الوصول إليها عن طريق تقديمها مباشرة إلى مناطق الطلب المرتفع والعرض المنخفض. وكان لهذا النهج نجاحًا كبيرًا، حيث يشارك أكثر من 100,000 شاب في كل عام [10].
- أيضا من المهم تشجيع المشاركة في الرياضات المتعددة، وتبين أن التخصص في رياضة أو رياضتين قبل الأوان يضر بالعادات المستمرة مدى الحياة، حيث لا يطور الشباب الناضجين في كثير من الأحيان المهارات والرغبة في الاستمتاع بمجموعة متنوعة من الرياضات طوال حياتهم. وتركز "وفقًا لسبورت إنجلاند" النسبة الأكبر من المشاركين المنتظمين الحاليين على رياضتين أو ثلاث رياضات رئيسيات للأعمار التي تتراوح ما بين 11 و 16 عامًا مقارنة بالأشخاص الأقل نشاطًا أو غير النشطين [11]. لذا فإن الانخراط في الرياضات المتعددة مهم لتطوير المرونة لضمان استمرار المشاركة في مرحلة البلوغ.
البدء من الطريق الصحيح
تشكل هذه المشاركات مجموعة من المبادئ التوجيهية للحكومات والمنظمات التي تأمل في إقامة نشاط بدني مستمر مدى الحياة لدى فئة الأطفال والمراهقين.
وتعود الفوائد العظيمة على الأفراد والمجتمع إذا تم هذا الأمر بشكل صحي، وحتى الزيادة بنسبة 10٪ في مستويات نشاط الأطفال والمراهقين في إنجلترا سوف تعادل ما يقارب 300,000 طفل [1] أكثر صحة وسعادة. وإذا عدنا إلى النموذج 1، فإن هؤلاء الأطفال سوف يكونون أقل عرضة للسمنة بعشر مرات ومن المرجح أن يحققوا نجاحًا أكبر في حياتهم المهنية والشخصية في المستقبل [2]. وهذا التأثير مضاعف، مما يعني أنه لا يقتصر على هؤلاء الأفراد ولكنه سوف يؤثر أيضًا على الأجيال اللاحقة وكذلك المجتمع ككل.
ولتحقيق هذه الفوائد -وعدم حرمان الأجيال القادمة من التمتع مدى الحياة- يجب أن نساعد أطفال ومراهقي اليوم على اتخاذ خطواتهم الأولى في طريقهم إلى النشاط البدني وممارسته مدى الحياة.
[1] "مسح سبورت إنجلاند لنشاط حياة الشباب الأطفال والمراهقين"
[2] بروجكت بلاي - معهد آسبن
[3] بي إم جي: الاتجاهات العامة في النشاط البدني والسلوك الخامل في مرحلة المراهقة
[4] المسح الصحي لإنجلترا 2017: https://digital.nhs.uk/data-and-information/publications/statistical/health-survey-for-england/2017
[5] اللجنة الرياضية الأسترالية
[6] "مسح سبورت إنجلاند لنشاط حياة الراشدين"، "مسح سبورت إنجلاند لنشاط حياة الشباب الأطفال والمراهقين" لعام 2018
[7] مسح نيوزيلندا للنشاط 2017
[8] الرابطة الدولية لمحو الأمية البدنية، مايو 2014
[9] https://www.changemakers.com/playexchange/entries/60-minute-kids-club
[10] https://www.streetgames.org/
[11] تقرير سبورت إنجلاند: كيفية تطوير عادات رياضية مدى الحياة (2012)