يساهم الخمول البدني بشكل مباشر في وفاة واحدة من كل ست وفيات في المملكة المتحدة ويكلف الأعمال التجارية والمجتمع الأكبر بأكثر من 7 مليارات جنيه إسترليني سنويًا، فما الذي يمكننا فعله بعد ذلك لتحسين النشاط البدني؟ [1]
تظهر الأبحاث أن مستويات النشاط البدني في مرحلة الطفولة هي مؤشرات رئيسية على مستويات النشاط البدني في مرحلة البلوغ. وتوجد علاقة قوية بين مستويات النشاط المنخفض في مرحلة الطفولة وانخفاض مستويات النشاط في مرحلة البلوغ. وما يقرب من 80 في المائة من 7 ملايين طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و15 عامًا في إنجلترا لا يمارسون التمارين الرياضية بانتظام. [2] ولذلك إذا أردنا تحسين معدلات النشاط البدني فنحن بحاجة إلى تغيير الطريقة التي نقوم بها بتطوير العادات الجسدية لدى الأطفال.
ونحتاج للقيام بذلك إلى اعتماد نهج على مدار 24 ساعة، مع التركيز على دعم النشاط البدني في جميع جوانب حياة الأطفال: المدرسة، والترفيه والراحة، ووقت الأسرة ووقت السفر. ونحتاج أيضًا إلى تطبيق نهج شامل يعالج في وقت واحد السلوكيات الجسدية على ثلاثة مستويات، المجتمع الكبير والمجتمعات الصغيرة والفرد، كما هو موضح في مقالتنا.
وتركز هذه المقالة على التعليم النشط والتغيير الفردي. وتوضح المقالة على وجه الخصوص كيف يمكننا تعزيز النشاط على مدار الحياة في مرحلة الطفولة والمراهقة عن طريق إحداث التغيير في مادة التربية البدنية في المدارس، مع التركيز الشديد على ترسيخ العادات. ومن الجدير بالملاحظة أن مادة التربية البدنية ليست العامل الوحيد للتأثير على تكوين العادات لدى الأطفال، ولكن أهميتها واضحة نظرًا لمكانتها الثابتة في حياتنا (انظر المثال 1).
المثال 1: تعد مادة التربية البدنية عنصرًا رئيسيًا للتعليم النشط، ويعتبر الجزء الأساسي من هذا العمل هو التركيز على تكوين العادات الفردية
فهم العادات
ويمكننا تعريف العادة على أنها سلوك تلقائي، أو اختيار اعتمد في وقتٍ ما بشكل متعمد ولكنه تحول مع الوقت إلى سلوك تلقائي بدون التفكير الواعي به. وتعتبر العادات جزءًا مهمًا في جعل النشاط البدني ثابتًا. والعادات هي ما يجعل "هاوي الركض" ينهض من السرير في صباح شتوي بالرغم من إمكانية الضغط على زر الغفوة. لأن قوة إرادتهم يقظة دون أن يفكروا في الأمر كثيرًا. وتظهر الأبحاث أن الدماغ يتحفّز عند بدء نشاط معتاد بسبب توقعاتنا لنتائج هذا النشاط. ويقلل أيضًا إدراكنا لمستويات الجهد عند القيام بنشاطٍ معتادين عليه. ويظهر علم الأعصاب أن العادات هي خيار مجزي، وبالتالي من المرجح أن نحافظ عليها.
ويمكن ترسيخ العادات عن طريق تطبيق إطار العمل المكون من أربع خطوات: تحديد النشاط، وتحديد المكافأة، وتأسيس الحوافز، وإنشاء التوقعات عن طريق التكرار المستمر والمعتقدات الإيجابية.
المثال 2: إطار عمل ترسيخ العادات
تقييم مادة التربية البدنية في إنجلترا بالمقارنة مع إطار عمل ثبات العادات
إن للتربية البدنية دورًا مهمًا في ثبات عادات النشاط البدني. ويركز محتوى المنهج المدرسي في إنجلترا على تطوير المهارات المطلوبة للنشاط البدني، ومع ذلك فإن تحليله وفقًا لإطار العمل أعلاه يظهر مجالات واضحة للتحسين لدعم ترسيخ العادات:
1. تأسيس الحوافز
- تُحفز العادات من خلال مختلف الحوافز التي تختلف باختلاف الأشخاص. ولقد فحصت العديد من الدراسات النشاط البدني لدى الأطفال والمراهقين، ولكن معظمها يركز على الفئة العمرية من 14-25 عامًا، وهي قائمة على عينات من الشرائح الصغيرة التي تستمر لفترات زمنية قصيرة وتميل إلى التعميم بشكل كبير حول حوافز الناس ودوافعهم، وبالتالي فهي محدودة من ناحية تأثيرها.
- ويتلقى معلمو المدارس الابتدائية في المتوسط تدريبًا مدته ست ساعات فقط في تقديم دروس التربية البدنية. وهذا يجعلهم عاجزين عن تقديم حتى أساسيات مادة التربية البدنية، ناهيك عن التدريب السلوكي المعقد. لذلك من الضروري لترسيخ العادات إجراء تحليل أعمق لدوافع الأطفال، وتدريب معلمي ومدربي التربية البدنية على هذه النظرية وكيفية تطبيقها.[4]
- أظهرت الأبحاث أن ترسيخ العادات يتم تعزيزه من خلال التخطيط الواعي للعمل. لذلك من المهم أن يفهم الطلاب الدوافع السلوكية الخاصة بهم، ولكن تركز فصول التربية البدنية على أهمية وقت النشاط ونادرًا ما تتيح الوقت للتفكير في الذات. فهل لنا أن نتصور مدى تأثير منهج التربية البدنية التي تتيح للطلاب وضع أهداف منتظمة للنشاط البدني الشخصي، وخططًا لتحقيقها والتفكير في مدى تقدمهم!
2. تعريف النشاط
- يُعرّف موقع "سبورت إنجلاند" النشاط البدني بأنه ممارسة النشاط المعتدل لمدة 150 دقيقة على الأقل في الأسبوع. ولا يوجد حاليًا هذا الروتين المحدد لتحقيق هذا النشاط أسبوعيًا في مناهج التربية البدنية الحالي. [3]
- ومن الممكن أن تكون العادات عرضة للتغيرات حسب البيئة. وينعكس هذا في انخفاض النشاط بعد ترك المدرسة. لذلك هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتشجيع الأطفال على تبني إجراءات روتينية قوية لمقاومة التغيرات مع تقدمهم في السن. على سبيل المثال، تحفز بعض المدارس الطلاب على ركوب الدراجات أو المشي إلى المدرسة عن طريق تقديم قسائم للإفطار.
3. تحديد المكافأة
- من المهم تصميم دروس التربية البدنية لتزويد الأطفال بمكافأة فورية. وتظهر الأبحاث أن العامل الرئيسي في تحسين تجربة الأطفال مع مادة التربية البدنية هو منحهم خيارًا بشأن الرياضة التي يشاركون فيها، مما يمنحهم إحساسًا بالتحكم تجاه النشاط البدني. وتشمل العوامل الأخرى على بعض الجوانب مثل التفاعل الإيجابي بين المعلم والطالب، والكفاءة، والتفاعل الاجتماعي الإيجابي مع الأقران.
- ولكن لا تزال العديد من المدارس تعامل "التربية البدنية" على أنها مادة اختيارية. وكشفت الأبحاث التي أجراها صندوق الشباب الرياضي أن 38٪ من المدارس الثانوية قد قطعت مادة التربية البدنية خلال السنوات الخمس الماضية بسبب ضغوط الامتحانات. وهذا سوف يؤثر على كيفية إدراك الأطفال لقيمة النشاط البدني. لذلك يجب التعامل مع مادة التربية البدنية بنفس نهج المواد الأكاديمية، مع تقديم ملاحظات منتظمة في الفصل وتقييم النتائج بالتساوي مع المواد الأخرى.[5]
4. التكرار المستمر والمعتفدات الإيجابية
يجب للوصول إلى مرحلة العادة المستمرة أن يكون لدى الشخص فرص منتظمة لتكرار النشاط البدني وكذلك الحافز والمكافأة. ومن غير المحتمل أن تكون ساعتان من مادة التربية البدنية أسبوعيًا كافية لتكوين عادة 150 دقيقة من النشاط المعتدل في الأسبوع. وعلاوة على ذلك، لا تلتزم العديد من المدارس الابتدائية لتوصية الساعتين، وبعضها يعاني للحصول على ساعتين من النشاط في الجدول الزمني.
- وتظهر الأبحاث أنه حتى العادات الجيدة يمكن أن تكون ضعيفة إذا وضعت تحت الضغط، وأن العادات تكون أكثر قوة عندما تكون مصحوبة باعتقادات إيجابية.
- مثلا نسب نجاح برنامج "مدمنو الكحول المجهولون" الذي أنقذ حياة الملايين إلى المشاركين المحيطين مع المجتمع الذي يساعدهم على الاعتقاد بأن التغيير ممكن وغيرمستحيل. مثلاً كم عدد الشباب الذين توقفوا عن ممارسة النشاط البدني لأنهم يعتقدون أنهم غير رياضيين؟ فيجب علينا بدلاً من تعزيز هذا النوع من الشعور أن نستخدم مادة التربية البدنية لخلق بيئة يتم فيها تشجيع الأطفال على إلهام ودعم بعضهم البعض لتحقيق أهدافهم.
كما تضعف عملية ترسيخ العادات الإيجابية بسبب الافتقار إلى المقاييس القوية للنشاط البدني للأطفال واللياقة البدنية ومحو الأمية البدنية. وأطلقت سبورت إنجلاند استطلاعًا عن نشاط حياة الأطفال والمراهقين في عام 2019. وسوف تكون هذه خطوة أولى جيدة لمكافحة هذا العائق، ولكن يجب وضع نهج قياس متوافق مع المدخلات من وزارة التعليم والمدارس لإنشاء قاعدة الأدلة المطلوبة لتحسين معدلات نشاط الأطفال.
وبالطبع إنجلترا ليست وحدها التي تحتاج إلى تحسين مادة التربية البدنية. فنسبة الأطفال في المملكة المتحدة (23٪ ذكور، 20٪ فتيات)[7] الذين يلتزمون بإرشادات منظمة الصحة العالمية لمدة 60 دقيقة من النشاط البدني المعتدل إلى القوي في اليوم ويمكن مقارنتها على نطاق كبير ببلدان أخرى مثل أستراليا (أقل من 20٪) وكندا (9٪) والسويد (21٪ فتيات و 13٪ ذكور). [8] ويتوافق الوقت المخصص للتربية البدنية أيضًا مع الوضع الدولي الراهن - حيث يبلغ المتوسط العالمي مدة 103 دقيقة أسبوعيًا في المدرسة الابتدائية و100 دقيقة أسبوعيًا في المدرسة الثانوية [9] وعلى الرغم من أنها أقل من فرنسا التي تفرض معظم الوقت مادة التربية البدنية أكثر من أي بلد في الاتحاد الأوروبي (المرحلة الابتدائية 220 دقيقة في الأسبوع، المرحلة المتوسط 165 دقيقة في الأسبوع). وقُيمت إنجلترا أيضًا على أنها تتمتع بتنفيذ جيد نسبيًا لمادة التربية البدنية مقارنة بالدول الأخرى في بطاقة أداء "التحالف العالمي للأطفال الأصحاء والنشيطين"
حان الوقت لخلق عادات جديدة!
نحن بحاجة ماسة إلى تغيير نهجنا عن طريق تأسيس عادات النشاط البدني لدى الأطفال من خلال إصلاح منهج التربية البدنية، والتركيز على ترسيخ العادات الجيدة.
ونحتاج أيضًا إلى النظر في الفرص الأخرى للتأثير في تكوين العادات كما هو مقترح في النموذج 1. وتعتبر العائلات مثلاً عامل مهم لفهم عادات الأطفال ودعمها. وسوف يوفر صندوق العائلات التابع لرياضة إنجلترا، الذي تم إطلاقه في يوليو 2017، ما يصل إلى 40 مليون جنيه إسترليني للمشاريع التي تدعم العائلات التي لديها أطفال لتنشيطهم معًا. [10] ويعتبر هذا تطور عظيم، ولكن سوف تكون هناك حاجة لمزيد من التمويل والسياسات والمبادرات لتحفيز التغيير الجوهري.
نحن معرضون لخطر حرمان الجيل من النشاط البدني في وقت تتعرض فيه صحتهم البدنية والعقلية للخطر بشكل متزايد. لذلك حان الوقت لنا جميعًا لتكوين عادة جديدة، وتعزيز النشاط لعى مدى الحياة للأطفال والمراهقين.
[1] الصحة العامة في إنجلترا - https://www.gov.uk/government/publications/physical-activity-applying-all-our-health/physical-activity-applying-all-our-health
[2] الصحة العامة في إنجلترا - https://assets.publishing.service.gov.uk/government/uploads/system/uploads/attachment_data/file/374914/Framework_13.pdf
[3] سبورت إنجلاند - https://www.sportengland.org/research/active-lives-survey/
[4] الجارديان - https://www.theguardian.com/commentisfree/2018/feb/22/exercise-schools-pe-lessons-exams
[5] ندوق الشباب الرياضي- https://www.youthsporttrust.org/news/research-finds-whistle-being-blown-secondary-pe
[6] إدارة التعليم - https://www.gov.uk/government/publications/national-curriculum-in-england-physical-education-programmes-of-study
[7] إن إتش إس https://files.digital.nhs.uk/publication/0/0/obes-phys-acti-diet-eng-2018-rep.pdf
[8] أطفال أصحاء نشطون - https://www.activehealthykids.org/the-global-matrix-2-0-on-physical-activity-for-children-and-youth/
[9] اليونسكو - http://unesdoc.unesco.org/images/0022/002293/229335e.pdf
[10] صندوق العائلات لسبورت إنجلاند - https://www.sportengland.org/media/11822/sport-england-2016-17-annual-report-and-accounts.pdf